عمر سيدنا نوح عليه السلام من القرآن الكريم

 يأتي هذا المقال في إطار محاولة استقراء القرآن الكريم، لمعرفة العمر الحقيقي لنوح عليه السلام، وذلك انطلاقا من قوله تعالى:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ).العنكبوت/14

وهنا يظهر جليا أن مدة 950 سنة (ألف سنة إلا 50 عاما) هي المدة التي قضاها نوح عليه السلام في قومه.

ومع أن الكثير من الباحثين انتبهوا إلى أن الآية السابقة لا تشير إلى عمر نوح عليه السلام بل إلى مدة لبثه في قومه، إلا أن هناك منهم من ذهب بعيدا عن الصواب حين بدأ يفسر كلمة “سنة” وكلمة “عام” على هواه، وجزم أن هذه المصطلحات كانت تطلق على مدد زمنية قصيرة جدا، أي في النهاية أن عمر نوح عليه السلام مثله مثل أعمار باقي البشر..

لكن عندما نتأمل قوله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) الكهف/25 ، يظهر بوضوح الفرق بين الصياغتين، أي أنه كان يمكن أن تكون صياغة الآية السابقة (ألف سنة إلا خمسين).

نعم كان يمكن أن تكون هذه الصياغة دون أن يفسد المعنى الذي يعتقد الكثيرون أن الآية الكريمة جاءت لتوضحه، دون غيره من المعاني، وهو مدة لبث نوح عليه السلام في قومه 950 سنة، ولكن القرآن الكريم ليس فيه زيادة إلا ولها حكمة منها، فلماذا إذا أضيفت لفظة “عاما”؟

من الملاحظ في القرآن الكريم أن الأعداد تذكر بشكل جمعي وليس طرحي، بمعنى أنه يمكن ذكرها كاملة في ألفاظ تدل على تلك الأعداد، أو يمكن تفكيكها إلى أعداد أصغر منها، والجمع بينها بواو العطف أو بعض الألفاظ الأخرى مثل قوله تعالى: “وازدادوا” في سورة الكهف. أما أن يرد العدد 950 في الآية السابقة بشكل طرحي، فهذا يدفعنا إلى الحديث عن دلالة العدد ألف (1000)، أي لماذا تم إيراده دون غيره من الأعداد؟

في نظري، والله أعلم، أن معنى الآية هو (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما من عمره)، وبالتالي فالألف في الآية هو نفسه عمر نوح عليه السلام، لكنه بعد أن أرسله الله تعالى إلى قومه، لبث فيهم داعيا إياهم مدة 950 سنة، وانقضت هذه المدة بإغراقهم بالطوفان، أما نوح عليه السلام فقد عاش بعدهم مع الفئة القليلة التي آمنت معه.

وعليه فإن المدة التي قضاها نوح عليه السلام مع قومه قبل أن يرسله الله إليهم، ثم المدة التي عاشها بعد الطوفان تمثلان ما مجموعه 50 عاما.

ولعل استخدام القرآن الكريم للفظين مختلفين أتى لأن استخدام لفظ “سنة” مرتين سيوحي بنوع من التكرار في الآية، في حين أن استخدام لفظ “عاما”، سينبه إلى أن هذا اللفظ ليس زائدا، بل هناك عبارة حذفت وهي “من عمره” يعني ( إلا خمسين عاما من عمره)، وطالما أن لفظ “ألف” تم إيراده على أنه عمر نوح عليه السلام، فإن عبارة “من عمره” ربما تكون قد حذفت من الصياغة القرآنية لتفادي التكرار.. والله أعلم.

عبد اللطيف المجدوبي
عبد اللطيف المجدوبي