غالبا ما تطرح النساء هذا السؤال، لعلهن يجدن له الجواب الشافي، لذلك رأينا أنه من اللازم أن نحاول الإجابة عنه، خصوصا وأنه قد ظهرت في الآونة الأخيرة آراء خارجة عن التفاسير المعتادة، والتي يرى أصحابها أن "الحور العين" من نصيب النساء أيضا في الجنة، مع تحريفهم طبعا لمعنى الحور العين، لينسجم مع آرائهم.
إن جميع النعم الموجودة في الجنة، لا يمكن أن تكون لذتها أعظم من لذة النظر إلى وجه الله الكريم، وذلك لأن السعادة التي تعتري الإنسان من جراء التنعم بالأشياء المادية، هي مجرد تفاعل للروح معها، بالمقدار الذي بث فيها حسب القوانين التي وضعها الله عز وجل في مخلوقاته، أي أنه ليست المادة هي مصدر السعادة، وإنما استجابة الروح لقانون هي خاضعة له مسبقا، وهذا يجعل المادة الواحدة مختلفة التأثير على المخلوقات، كل يتأثر حسب ما خلق له.
وحتى تتضح الفكرة السابقة يمكن أن نضرب مثالا بتفاعل الإنسان مع رائحة كريهة، وكذا تفاعل الذباب مع نفس الرائحة، فالمادة واحدة لكنها تثير اشمئزاز الأول، وانتشاء الثاني، وبالتالي يمكن القول إن السعادة ليست موجودة في جوهر الأشياء المادية بل في الأرواح والنفوس وما جبلت عليه.
وإذا ما ربطنا هذه المسألة بقضية الحور العين بالنسبة للنساء، فإنه بالضرورة علينا أن نتحدث عن موضوع تعدد الزوجات عند الرجال.
لقد أباح الشرع التعدد للرجال وحرمه على النساء لحكم كثيرة، ليس الغرض من هذا المقال الخوض فيها، وإنما سنناقش المسألة من زاوية توضيح كيف أن الإسلام لم يظلم المرأة حينما حرم عليها التعدد، وذلك كالآتي:
لا أحد من العقلاء ينكر أن زيادة عدد الزوجات، يقابله زيادة في المتعة عند الرجال في الحالات العادية (السليمة)، ولكن هذه الحقيقة لا تعني بالضرورة أن متعة الجسد هي كل السعادة، فقد يكون تعدد الزوجات مصدرا للمشاكل عند الكثيرين، خصوصا المشاكل المرتبطة بالأمراض الجنسية، إذا كان هذا التعدد خارج إطار الزواج، لذلك لا يمكن أن نجعل التعدد مرادفا للسعادة.
كما أنه لا أحد أيضا من العقلاء ينكر أن المرأة إن عددت الأزواج فستحصل في الظروف العادية على متعة أكبر، لكن هذا الأمر لن يضمن لها السعادة، لأن طبيعتها لن تسعفها لذلك، وسينتهي بها المطاف بيئة خصبة للكثير من الأمراض الجنسية والعياذ بالله، كما أنها فقط ستضحي بجوانب أخرى من حياتها وستحولها إلى لذة جسدية عابرة، وتضيع عليها الكثير من السعادة التي جعلها الله في طاعته، وفي العفة وفي الإخلاص لزوج واحد.
أما اقتران السعادة بالتعدد حتى عند المرأة فذلك ليس لأنه هو مصدر السعادة، بل لأن المرأة في اختبار من الله سبحانه وتعالى ولا يعقل أن يحرم عليها شيئا، دون أن يكون فيه نوع من المتعة للتمحيص وميز الخبيث من الطيب، فإذا شعرت المرأة بالضيق من عدم إباحة التعدد لها، وبالتعب من جراء حمل نفسها على الصبر، فلتتذكر بأن الرجل المتزوج من أربع نساء هو أيضا مجبر على حمل نفسه على الصبر ألا تتطلع إلى الزواج بالخامسة، والأعزب والعزباء مجبران على حمل نفسيها على الصبر عن الحرام، حتى ولو طال بهما الحال بدون زواج إلى آخر لحظة من حياتهما.
وبناء على ما سبق فإنه إذا ربطت المرأة العدل الإلهي بضرورة أن يبيح لها الله سبحانه وتعالى التعدد كما هو شأن الرجال، فإنها بهذا المنطق تجعل العدل الإلهي مشروطا بألا يبيح لها الله الزواج ولو بواحد حتى يتزوج كل العزاب والعازبات أيضا، وبالتعميم أن تتساوى مع جميع الخلق في فقرهم وأمراضهم وضعفهم وألوانهم وقصر أعمارهم، وأطوالهم، وعاهاتهم، وهذا يتناقض مع الغرض من الحياة الدنيا الذي هو الابتلاء والاختبار.
إذا فالتعدد هو في الدنيا نعمة يختص بها الله من يشاء، ومن طلبت المساواة بينها وبين الرجل فيه على أساس اتهامها الباطل للإسلام بأنه ظلمها، فلتطلب أيضا من الله المساواة في غيره من الأسقام والابتلاءات باعتبارها حالات تمثل زوال النعم عند كثير من خلق الله.
أما تعدد الزوجات من الحور العين في الآخرة فهو حتى ولو كان نعمة، فإنه لا يجعل صاحبه يتمتع أكثر مما تتمتع به المرأة التي تفوقه مرتبة في الجنة مع زوجها، فمقدار التمتع والسعادة هبة من الله عز وجل، لكنه فقط يربطه بأسباب مادية لن تزيد فيه ولن تنقص منه، لأن كل الأمر بيده سبحانه وتعالى، يقول للشيء كن فيكون، فتزول بذلك المتعة التي كانت مرتبطة في الدنيا بالتعدد عند النساء، لأنها كانت متعة اختبار فقط، ولم تكن متعة مرتبطة بجوهر التعدد، وستبقى فقط متعة الفطرة، ولن تحس المرأة المؤمنة أن هناك شيئا فقدته، أو أن سعادتها أقل من سعادة الرجل مع حوره العين، وحاش لله أن يظلم أحدا من خلقه سواء أكان ذكرا أم أنثى، قال عز من قائل سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء : 40]
هذا والله أعلى وأعلم.