نشرت فيديو على صفحتي على الفيس بوك، يتضمن ردا على الدكتور علي منصور الكيالي بخصوص عذاب القبر، وقد فوجئت بتعليق يطلب صاحبه مني أن أرد على فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، لذلك رأيت أنه من اللازم كتابة هذا المقال لأوضح فيه الكثير من الأمور:
1- لا نحتاج إلى الرد على الشيخ الشعراوي، بقدر ما نحتاج إلى توضيح موقفه الذي لا يستوعبه الكثير من الناس؛ وبيت القصيد من هذا الكلام هو التنبيه إلى أن المعلق كان يعتقد أن الشيخ ينكر عذاب القبر جملة وتفصيلا، وبالتالي فهذا يهدم ردنا حول رأي الدكتور الكيالي.
لكن المعلق نسي أنه احتج علينا برأيين متعارضين يفند بعضهما بعضا، فالشيخ الشعراوي يعتبر عذاب القبر متمثلا في عرض العذاب على الكافر/العاصي حين موته،( يعني العذاب الذي ينتظره يوم القيامة). بينما الدكتور الكيالي لا يكتفي بإنكار عذاب القبر، بل يجزم أن الكافر يكون "راقد ومرتاح" كما قال في أحد فيديوهاته، ويعني بذلك أنه يكون في مرحلة فناء.
2 - الشيخ الشعراوي له فيديوهات كثيرة حول عذاب القبر، ولمعرفة رأيه الحقيقي لا بد من ترتيبها زمنيا حتى يتم تحديد موقفه النهائي، لكن الواضح مما اطلعنا عليه منها هو أنه إن أنكر عذاب القبر فهو يقصد العذاب بالنار، وليس العذاب الناجم عن عرض مقعد الكافر من النار عليه في قبره.
3-حتى لو أنكر الشيخ الشعراوي عذاب القبر، فهو ليس معصوما من الخطأ في اجتهاده.
4- عند الرد على رأي أي شخص فإما أن نرد عليه بكل الأدلة، وإما أن نرد عليه فقط بالأدلة التي يقتنع بأنها أدلة، وإما أن نرد عليه بالأدلة التي يقتنع بها الناس، لأن الهدف في النهاية هو توضيح الحقيقة لمن يتم تضليلهم، وعلى هذا الأساس، إذا افترضنا أن الشيخ الشعراوي رحمه الله ينكر عذاب القبر، فإنه مادام لا ينكر السنة، فيمكن الرد عليه بالأحاديث الصحيحة التي تثبت عذاب القبر، مثل ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن عباس: مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا أو إلى أن ييبس. وهذا لفظ البخاري.
5- الحديث السابق يتحدث عن إنسانين يعذبان في قبريهما، وبما أنهما ارتكبا ذنبين مختلفين فمن غير المنطقي أن يعذبا بعرض مقعديهما من النار، فلا بد أن يكون العذاب من جنس العمل وعلى درجته، وقابلا للتخفيف كما وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "لعله أن يخفف عنهما" ، أي لا بد أن يكون العذاب خاصا، أما عرض المقعد من الجنة والنار فهذا عام بالنسبة لكل إنسان.
6- رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وقد أوتي جوامع الكلم، لذلك طالما أن الأحاديث النبوية سمت ما قد يقع في القبر للميت بعذاب القبر، فالمسألة إذا انتهت، ولا فائدة من الدخول في التفاصيل، فعذاب القبر ثابت بالقرآن والسنة ولا ينفع الميت هل هو عذاب بالنار أو بعرض مقعده من النار: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين يذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق. رواه البخاري. فكيف ينكر الإنسان عذابا يجعل فقط سامعه يصعق، فكيف بمن في القبر؟! والكلام موجه لمن يقول إن الشيخ الشعراوي أنكر عذاب القبر، بل أثبته بحديثه عن نوعين أو مرحلتين من العذاب: دخول في العذاب يوم القيامة، وعرض لما يعذب به بعد الموت.
7- الإيمان بعذاب القبر لا يعني القنوط من رحمة الله، أو الحكم على الناس بالسعادة أو الشقاء وتوزيع الأحكام بالمجان عليهم، لكن المسألة أكبر من ذلك، حيث يتعلق الأمر بعقيدة المسلم الصحيحة فالتصديق بالكتب والرسل لا فائدة منه إن لم يكن تصديقا بما في الكتب وبما جاء به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهذا هو ما يدفعنا للرد على من ينكر عذاب القبر. هذا والله أعلم.