لا تضعوا كل الكرات الأرضية في سلة واحدة

ما إن تتحدث إلى شخص ما عن كروية الأرض أو تسطحها حتى تنهال عليك منه قائمة من أسماء العلماء المسلمين الذين أكدوا كروية الأرض، والسؤال المنطقي الذي نبسطه في بداية هذا المقال هو: هل كل الكرات التي تحدث عنها هؤلاء العلماء لها نفس المعنى؟

من أبجديات وبدهيات المنطق أن معاني الكلمات والألفاظ تتغير عبر الزمن بتعدد استخداماتها والسياقات التي ترد فيها، وليس من الإنصاف ولا من الأمانة العلمية تقويل الناس ما لم يقولوه، عن طريق غض الطرف عن تغير معاني الكلمات، وكمثال بسيط لتتضح الفكرة، نذكر تقسيم ابن خلدون للعمران البشري إلى عمران حضري وعمران بدوي، واعتباره القرية نموذجا للعمران الحضري، بينما نحن في زمننا نعتبر القرية نموذجا للعمران البدوي.

وبناء على ما سبق، يتحتم الرجوع إلى معاني "الأرض كروية" في مؤلفات السابقين حتى نتبين المعاني التي أرادوها وهي تلك المطابقة لما كان متداولا في زمنهم، على أساس أنه حتى تشابه المعاني اللغوية والاصطلاحية، لا يعني بالضرورة تشابه التصور، لأن هناك الكثير من الألفاظ والمصطلحات التي تقفز من كونها مصطلحات لا مشاحة فيها، إلى اعتبارها مفاهيم يختلف على معناها حتى من عاشوا في زمكان واحد.

فليس من المبالغة إن قيل إن الشيطان يكمن دائما في التفاصيل، فالغوص في التفاصيل هو الذي كان يجعل النظريات العلمية تنهار بكشف تناقضاتها الداخلية.

لذلك إذا عدنا إلى نظرية كروية الأرض سنجد أن هناك فريقا كان يعتقد بأن الأرض كرة تحيط بها السماء من كل جهة (وهو نفس تصور بطليموس)، بينما هناك من اعتبرها كروية، لكن يقصد أنها مدورة مثل القرص ويحيط الماء بها، وتقع السماء فوقها، بينما تحتها لا يوجد  أي بشر، وشتان ما بين التصورين، من حيث المعنى، بغض النظر عن الصحة والخطأ، وحتى الذين قالوا بكروية الأرض، بمعنى تسطحها (نصف كرة أو قرص يحيط به الماء)، فقد اختلفوا في التفاصيل، حول حدودها، أي هل يحدها البحر أم أن هناك أراض أخرى بعده، وكذا شكل السماء هل هي قبة تلتقي عند أطراف الأرض (أي محيط القرص)، أم هي مستوية ومرتفعة عن الأرض وموازية لها.

ولربما إن شاء الله في مقال آخر سنتناول موقف ابن تيمية رحمه الله من مسألة كروية الأرض، ونبين أن نتصوره للأرض يتماشى مع آراء المسطحين، لأن التكور في كتاباته يقصد به الاستدارة.

عبد اللطيف المجدوبي
عبد اللطيف المجدوبي